الثأر... نار تحرق الجميع!

ما زال نزيف الدم في صعيد مصر مستمرًا... ما زال صدى طلقات الثأر يعلو على صوت العقل والدين والقانون... وما زال أبناء العائلات يدفنون أحباءهم وسط دموع لا تجف، وغضب لا يهدأ، وقلوب لا تعرف إلا نار الانتقام.
حادثة محطة جرجا الأخيرة، التي راح ضحيتها شاب صعيدي، ليست مجرد رقم يُضاف إلى سجل طويل من الجرائم، بل هي كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هي جرح جديد في جسد مجتمعنا، جريمة لم ترتكبها يد واحدة فقط، بل شارك فيها الصمت، والعادات، والجهل، والتواطؤ أحيانًا!
يا أبناء الصعيد...
أيعقل أن يظل الثأر هو الحل؟!
أيعقل أن نترك الدين جانبًا، ونُقصي القانون، ونحتكم إلى شريعة الغاب؟!
إن الدين لم يأمرنا بالقتل، بل أمرنا بالقصاص العادل المنضبط:
 ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: 179]
قصاص تحت مظلة العدل، لا تحت ظلال البنادق والسكاكين، ولا على أعتاب الترهيب والتهجير وترويع الأبرياء.
أصبحنا نعيش في حلقة مفرغة من الانتقام والتصعيد، حيث لا ينجو أحد، ولا يخرج طرف منتصرًا. كلا الطرفين خاسر.
فما ذنب النساء المهجرات؟
وما ذنب الأطفال الذين ينشأون في بيئة الخوف؟
وما ذنب قرى كاملة تُفرغ من الحياة؟
أيها العقلاء...
نحن في دولة قانون، ولسنا في صحراء بلا رادع. القانون هو الحكم، لا فوهات البنادق. والقضاء هو من يقتص، لا العائلات والأعراف العمياء.
أيها الناس، لا تنساقوا وراء الفتنة، ولا وراء دعاة الجهل والخراب.
كل رصاصة تُطلق باسم الثأر، إنما هي رصاصة في صدر الوطن، في استقراره، في أمنه، في نسيجه الاجتماعي.
وكل قتيل في هذه الحروب العائلية هو شهيد الجهل والتخلف، وليس شهيد الشرف كما يدّعي البعض.
حان الوقت لوقفة...
وقفة مع النفس، مع الدين، مع العقل، ومع القانون.
لابد من تطبيق القصاص العادل والفوري، ومعاقبة كل من يرتكب جريمة الثأر بأشد العقوبات، لا بالتهاون والمجاملات.
لابد من حماية الأبرياء، وتأمين المهجرين، وإنهاء دوامة الرعب التي أصبحت واقعًا يوميًا في كثير من قرى الصعيد.
قبل أن يأتي يوم لا نجد فيه بيتًا آمنًا، ولا قلبًا سليمًا، ولا مجتمعًا مستقرًا...
عودوا إلى دينكم، قبل أن يُكتب علينا التيه في صحراء الثأر إلى الأبد.