18:10 | 23 يوليو 2019

حماية الذاكرة البشرية من الاستعمار الخوارزمي في عصر الذكاء الاصطناعي للدكتور أبو العلا عطيفي - جامعة القاهرة

11:17pm 01/12/25
محمود الهندي

قال الاستاذ الدكتور أبو العلا عطيفي مؤسس فلسفة النيروجيكو ومؤسس ورئيس المدرسة العلمية البحثية المصرية والمدرسة العلمية البحثية النيروجيكة والأستاذ بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعى – جامعة القاهرة

 في عالم اليوم الذي تحكمه الخوارزميات، لم تعد الذاكرة البشرية مجرد وظيفة طبيعية، بل أصبحت ساحة صراع خفي بين الإنسان والذكاء الاصطناعي الذي يتغلغل في تفاصيل حياتنا اليومية. نحن نعيش في زمن تتحكم فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي في ما نقرأه وما نشاهده وما نتذكره، حتى أصبحت هذه الخوارزميات قادرة على إعادة هندسة وعينا بشكل غير مرئي. هذا الواقع يثير سؤالًا جوهريًا: هل ما زالت ذاكرتنا ملكًا لنا أم أصبحت خاضعة لقوى رقمية تسعى إلى السيطرة على عقولنا؟ هذا السؤال هو جوهر فلسفة النيروجيكو التي أسسها الدكتور أبوالعلا حسنين، والتي تدعو إلى إعادة التفكير في علاقة الإنسان بالذكاء الاصطناعي من منظور السيادة الإدراكية وحماية الوعي . 

 

تأمل حياتك اليومية، عندما تفتح هاتفك صباحًا وتجد أمامك محتوى مختار بعناية من قبل خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، فهي لا تعرض لك كل شيء، بل تختار لك ما تراه مناسبًا بناءً على بياناتك السابقة. إذا كنت قد شاهدت مقطعًا عن حمية غذائية، ستجد عشرات المقاطع المشابهة، حتى تصبح هذه الفكرة جزءًا من وعيك وتؤثر على قراراتك الغذائية. في المساء، عندما تشاهد فيلمًا على منصة بث، فإن الاقتراحات التي تراها ليست عشوائية، بل مصممة لتوجيه ذوقك نحو أنواع معينة من الأفلام، مما يحد من تنوع خبراتك الثقافية. حتى في التسوق الإلكتروني، عندما تبحث عن منتج، فإن الخوارزميات لا تكتفي بعرضه، بل تملأ شاشتك بمنتجات مشابهة، لتدفعك إلى خيارات محددة وتعيد تشكيل ذاكرتك الشرائية . 

 

الأمر لا يتوقف عند الترفيه أو التسوق، بل يمتد إلى التعليم والصحة. في التعليم الرقمي، عندما تعتمد المدارس على منصات تعليمية ذكية، فإن هذه المنصات قد تحدد للطالب ما يقرأه وما يتعلمه، مما يخلق ذاكرة معرفية ضيقة الأفق. وفي الصحة العقلية، التطبيقات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم النصائح النفسية قد توجه المستخدم نحو أنماط تفكير معينة، مما يغير ديناميكيات التذكر الطبيعي ويجعل الوعي البشري خاضعًا لتصميمات خوارزمية غير مرئية . 

 

أمام هذه التحديات، يصبح من الضروري التفكير في حماية الذاكرة البشرية كحق أساسي لا يقل أهمية عن الحق في الحياة أو الحرية. نحن بحاجة إلى ميثاق إدراكي عالمي يضع قواعد واضحة تضمن أن تظل الذاكرة ملكًا للإنسان، وأن تكون أي تدخلات خوارزمية في تشكيلها شفافة وخاضعة للمساءلة. هذا الميثاق يجب أن يضمن حق الفرد في معرفة كيف تؤثر الخوارزميات على وعيه، وحقه في الوصول إلى بياناته العصبية، ورفض أي تدخل غير مرغوب فيه في أنماط التذكر. كما يجب أن يحظر تحويل الذاكرة إلى سلعة تجارية أو أداة سياسية، وأن ينص على إنشاء هيئة دولية تراقب التزام الشركات بهذه المعايير، وتطور تقنيات مراقبة عصبية غير استغلالية لحماية الصحة الإدراكية . 

 

إن حماية الذاكرة البشرية ليست قضية تقنية فحسب، بل هي قضية فلسفية وأخلاقية تحدد مستقبل الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي. إذا فقدنا السيطرة على ذاكرتنا، فإننا نفقد جزءًا من ذاتنا ومن قدرتنا على التفكير الحر. لذلك، يجب أن نعيد التوازن بين الإنسان والخوارزمية، وأن نضمن أن تظل الذاكرة فضاءً للحرية لا أداة للهيمنة. هذه ليست معركة ضد التكنولوجيا، بل معركة من أجل إنسانية التكنولوجيا، بحيث تكون في خدمة الإنسان لا في السيطرة عليه. المستقبل الذي نريده هو مستقبل يحترم الوعي البشري ويصون الذاكرة من الاستعمار الخوارزمي، لأن الذاكرة ليست مجرد بيانات، بل هي جوهر الهوية الإنسانية، وهو ما تؤكد عليه فلسفة النيروجيكو التي أسسها الدكتور أبوالعلا حسنين، باعتبارها دعوة لإعادة تعريف الإنسان في زمن التوكيل الإدراكي . 

 

المراجع : 

حسنيـن، أ. ع. (2025). النيروجيكو: عندما يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الإنسان 2.0. القاهرة: دار عامر للنشر والتوزيع. ISBN: 978-633-8332-

80-8 .

تابعنا على فيسبوك

. .
paykasa bozum