حين يتحدى الإنسان ظله
في كل روح ساحة خفية لا يراها أحد ساحة تتقاطع فيها صراعات لا تدون وآهات لا تسمع وانتصارات لا تصفق لها الجماهير وفي وسط ذلك الضجيج الصامت ينهض السؤال كالفارس الوحيد في
معركة بلا جنود من ينافس من
هل هي الدنيا التي تعاند الإنسان أم الإنسان الذي يحاول أن يتجاوز حدود نفسه
الحقيقة أن أكبر خصم يلاحق المرء ليس الآخرون بل ذلك الظل الملتصق بخطاه ذلك الشبه الذي يراقبه من المرآة ذلك الصوت الذي يقول له كل صباح
هل تستطيع أن تكون أفضل مما كنت
حين يقف الإنسان أمام ظله تبدأ المعركة الحقيقية
فليس الشجاع من يتحدى الناس بل من يتحدى تردده
وليس القوي من يسقط خصومه بل من يمنع نفسه من السقوط
وليس الفائز من يحصد التصفيق بل من يحصد احترامه لذاته
الدنيا لا تعطي مكانا لمن ينتظر دوره بل لمن يصنعه
والحياة لا تهدي درع النصر لمن يتباهى بصوته بل لمن يترك أثرا بصمته
فالمجد لا يصنعه الازدحام حولك بل الخطوة التي تتقدم بها ولو كنت وحدك
كم من إنسان عاش عمره يطارد منافسا خارجيا حتى اكتشف متأخرا أن المنافس الوحيد كان يسكن داخله
وكم من روح ظنت أنها صغيرة حتى وقفت في ساعة مواجهة فرأت في قلبها جبالا لم يسبق أن تسلقتها ووجدت في عقلها نورا لم تكن تعلم أنه يولد من الظلام
إن التحدي الأعظم ليس في التفوق على الناس
بل في التفوق على جرحك على سقوطك على فشلك على الصورة القديمة التي لم تعد تشبهك
إنك حين تنتصر على ضعفك تصبح أقوى من أن ينافسك أحد
واسأل نفسك في لحظة صدق
متى كانت آخر مرة تحديت فيها خوفك
متى أقدمت على شيء ظننت أنك لست أهلا له
متى قلت لنفسك لن أسمح لظلي أن يسبقني
فالمتسابق الحقيقي لا يلتفت إلى الصفوف خلفه ولا يسمع من يصرخ حوله ولا ينتظر من يصفق له
هو يعرف أن الطريق طويل وأن القوة ليست في الوصول وحده بل في القدرة على الاستمرار رغم الجرح رغم التعب رغم كل أبواب أغلقت في وجهه
وفي نهاية المطاف حين تهدأ المعركة وحين تسكت الضوضاء من حولك لن تجد أمامك إلا نفسك
وعندها فقط ستدرك أن كل صراع خضته وكل خطوة دفعتك إلى الأمام لم تكن تهدف إلى التفوق على أحد بل إلى الاقتراب أكثر من النسخة العظيمة التي تنتظرك في داخلك
ومهما كثر الساعون وتعددت الأصوات وتزاحمت الأقدام حولك سيبقى السؤال الذي يحق لك وحدك أن تجيب عنه
هل استطعت اليوم أن تهزم ظلك
فإن استطعت
فلن تجد في هذا العالم بأسره منافسا يستحق الوقوف أمامك



















