حين تعب الحنين من النداء
لم يكن الليل طويلا هذه المرة بل كان مترددا
يقف على عتبة الفجر كعاشق خائف من الاعتراف
كل شيء في الكون بدا ساكنا
إلا قلبي كان يسير في دروب الذكرى حافيا
تحت مطر من الحنين الذي لم يهدأ منذ عمر بأكمله
الحنين يا صديقي
ذاك الغريب الذي يسكننا دون استئذان
لا يكبر ولا يشيخ
لكنه يرهقنا كما تفعل الذكريات حين تعود في غير أوانها
ينادينا بأسماء نسيناها
ويعيد إلينا أصواتا غابت خلف المدى
حتى نظن أن الماضي لم يمت بل اختبأ في صدورنا ينتظر لحظة الضعف ليخرج من جديد
أتعلم
الحنين ليس للحب فقط
بل للأيام التي كنا فيها أنقياء
لوجوه عبرت حياتنا كنسمة طيبة ثم غابت
لضحكات صدرت من القلب دون خوف من غد مجهول
لأحلام صدقناها يوما ثم تركناها تموت في صمت نبيل
لقد تعب الحنين من النداء
نادى كثيرا فلم يجبه أحد
صار صوته صامتا كأغنية قديمة فقدت جمهورها
حتى القلوب التي كانت ترتجف لسماع اسمه
صارت تغلق نوافذها خوفا من الريح التي قد تعيد الذكرى
يا صديقي كم من حنين سكننا حتى اختنقنا
كم من وجع خبأناه تحت وسادة باردة كي لا نراه
لكن الذاكرة لا ترحل
هي تبقى هناك تراقبنا ونحن نتظاهر بالنسيان
تبتسم بمرارة حين نحاول إقناع أنفسنا أننا تجاوزنا
في الحقيقة لا أحد يتجاوز تماما
نحن فقط نتعلم كيف نحمل الحنين دون أن ننكسر
كيف نخفي الرسائل القديمة في القلب لا في الأدراج
وكيف نصنع من غيابهم حضورا لا يرى لكنه يضيء
الحنين يا صديقي ليس عدوا
هو الوجه الآخر للحب
هو الطريقة التي تذكرنا بها الحياة أننا ما زلنا نملك قلبا يشعر
وأن الماضي مهما ابتعد يترك فينا أثرا لا يمحى
فلا تخف من الحنين حين يأتيك
دعْه يجلس قليلا واسقه فنجان صمت دافئ
ثم ودعه بابتسامة لا دمعة
لأن من رحل أخذ نصيبه من الوقت
وترك لك ما يكفي لتبدأ من جديد
وفي النهاية
حين تهدأ الريح وتغفو الذكريات في ركن بعيد
ستكتشف أن الحنين رغم وجعه
كان أجمل ما حدث لك
لأنه جعلك تتذكر أنك كنت يوما تحب بصدق
وتعيش بكل ما فيك دون خوف من الانكسار



















