"موقف روسيا من الملف النووي الإيراني في ضوء الحرب الأوكرانية: فهم السياق الجيوسياسي"
كان موقف روسيا من الملف النووي الإيراني موضوعاً هاماً للعديد من الباحثين المهتمين بأبعاد وتداعيات هذا الملف في السنوات الأخيرة. وقد أدى اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022 إلى زيادة تعقيد الأمور، حيث بات يتساءل الكثير حول كيف سيؤثر ذلك على موقف روسيا من الملف النووي الإيراني؟ فقبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذت روسيا موقفاً مرناً نسبياً بشأن برنامج إيران النووي. وبينما أعرَّبت روسيا عن قلقها بشأن أنشطة إيران النووية مرات كثيرة، فقد دعمت بشكلٍ عام الجهود الدبلوماسية التي تُبذل لحل القضية وعملت بشكل وثيق مع الأعضاء الآخرين في مجموعة 5+1 (الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)؛ للتفاوض على حل تلك الأزمة مع إيران. وتم التوقيع على هذا الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، ورفع معظم العقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل فرض قيود صارمة تم فرضها على برنامجها النووي.
ومع ذلك، مع أتون الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح موقف روسيا من الملف النووي الإيراني أكثر غموضاً. فمن ناحية، واصلت روسيا الإعراب عن دعمها لخطة العمل الشاملة المشتركة وحثت جميع الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات لحل أي قضايا معلقة. ومن ناحية أخرى، استخدمت روسيا أسلحة إيرانية في سياق حربها مع القوى الغربية في الأراضي الأوكرانية. ومن المحتمل أيضًا أن تعمل لاستخدام الملف النووي الإيراني كأداة لإدارة صراعها مع الغرب كورقة مساومة في أي تسوية محتملة مع الولايات المتحدة، وذلك في ضوء التراجع الغربي عن دعم أوكرانيا عسكريًا، وبروز اتجاه في الداخل الأمريكي مناهض لفكرة المساعدات الأمريكية لأوكرانيا من الأساس، لاسيما مع المشاكل الاقتصادية الداخلية العميقة في كافة أرجاء الولايات الأمريكية!
وبالتالي، كيف يمكننا أن نفهم موقف روسيا المتباين بشأن الملف النووي الإيراني؟ أحد التفسيرات المحتملة هو أن ذلك يعكس الطبيعة المتدهورة حاليًا للعلاقات الروسية الأمريكية. فمع تزايد حدة الصراع بين الدولتين حول أوكرانيا وقضايا أخرى، قد تستخدم روسيا الملف النووي الإيراني كوسيلة لكسب النفوذ في أي مفاوضات محتملة مع الغرب، هذا من شأنه أن يفسر لماذا أصبح موقف روسيا من هذه القضية أكثر غموضاً منذ اندلاع الحرب الأوكرانية؟ فببساطة دعم روسيا لإيران قد يكون مدفوعاً جزئياً برغبتها في موازنة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، بل وتقويضه تماماً.
فتسعى الولايات المتحدة إلى ردع التهديدات والاستفزازات العسكرية الإيرانية والدفاع ضدها، والتي تعرض الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة للخطر. كما تريد الولايات المتحدة منع إيران من تطوير ونشر الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة التي يمكنها إيصال شحنات نووية أو تقليدية. وتسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى مواجهة النفوذ المتصاعد لأنشطة إيران في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي. ومن بين الأدوات الأمنية التي تستخدمها الولايات المتحدة الوجود العسكري والتدريبات والتحالفات ومبيعات الأسلحة والدفاع الصاروخي لإسرائيل، وذلك في ضوء تزايد احتمالات شن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المفاعلات النووية الإيرانية، مفاعل نطنز، وبوشهر.
ومع تغير موقف روسيا من هذه القضية، من الصعب التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك. ومع ذلك، من الواضح أن الوضع الراهن من المرجح أن يستمر في المستقبل القريب، خاصةً بالنظر إلى الصراع المسلح الدائر بين روسيا والغرب. وفي نهاية المطاف، سيتم تحديد مصير الملف النووي الإيراني من خلال طبيعة العلاقات الروسية الغربية المستقبلية، بدلاً من العلاقات الروسية الإيرانية.
وختاماً لذلك، في حين أن موقف روسيا من الملف النووي الإيراني قد يكون مربكاً ومتناقضاً، إلا أنه يُمكن فهمه في سياق الصراع الجيوسياسي الأوسع بين روسيا والغرب. فقد أدى اندلاع الصراع الأوكراني إلى زيادة تعقيد الأمور عالمياً وإقليمياً على مختلف الأصعدة والمستويات، وإذا كان هناك أي تقدم في الملف النووي الإيراني، فسوف يتطلب ذلك حل هذا الصراع والعودة إلى علاقة أكثر استقراراً وتعاوناً بين روسيا والولايات المتحدة.
المراجع