الطلاق النفسي ظاهرة تُفسد العلاقات الزوجية وتُلقي اللوم على الزوجين!
يعلم الجميع أن الإنسان لم يختار إسمه ولا نسبه، ولكن من حقه أنه يختار شريك حياته، وعلى الرغم من ذلك إلا إن ظاهرة فشل الزواج تتزايد يوم بعد يوم، والمثير للعجب! أن أغلب الأسباب ترجع إلى أن الزوجين لم يختار كل منهم الأنسب له؟! وعلى الرغم من أن الزواج قديماً كان يعتمد على الترشيح (زواج الصالونات)، وكان في أحد الفترات لا يرى الزوجين بعضهم إلا ليلة الزفاف، إلا أن تلك الزيجات كانت تستمر لسنوات عديدة على السراء والضراء حتى أخر العمر، إنما حديثاً في ظل الإنفتاح الذي نعيش فيه، وفترة الخطوبة التي تسمح للطرفين معرفة بعضهم جيداً إلى حد كبير، إلا أن في كثير من الحالات نرى الزوجين بعد أيام قليلة من الزواج يبدأ كل منهم الشكوى من الآخر، وكأنهم لا يعرفوا بعضهم من قبل، وتستمر المشكلات وإن لم ينتهي الزواج بالطلاق، فيعيشوا حياة مليئة بالمشاكل، أو حياة روتينية تخلو من السعادة، وكلما كثرت هذه الظاهرة، كثرت الأسباب، ونعرض فيما يلي عدة أراء لأفراد من المجتمع في هذا الشأن:
ترى السيدة سارة محمد ربة منزل، أن إهمال الزوجين لبعضهم، هو السبب الأكبر في فشل الزواج، لأن كل منهم يسعى إلى أن يفعل ما يريده، دون مراعاة الطرف الآخر كنوع من التسلط، وإذا أراد أحد الزوجين أن يسعد الآخر فيحاول أن يسعده بطريقته، ولا يهتم أن يبحث عن السبيل الحقيقي الذي يحقق له السعادة. وفي حالة الإختلاف يتسبب ضيق الأفق في عدم إختيار حلول وسط ترضي الطرفين. وإن عدم تحمل المسئولية بإلقاء كل طرف المسئولية على الآخر، وعدم الإحترام والتقدير لدور كل فرد داخل كيان الأسرة من أكبر أسباب فشل الزواج.
وتقول الأستاذة وفاء خليل أخصائية تسويق، أن السبب الأساسي لفشل الزواج هو أن في فترة الخطوبة يُظهر كل طرف أجمل ما فيه من صفات، أو بمعنى أصح يتقمص الطرفين أو أحدهم بعض الصفات التي ليست من طباعه، لمجرد تمسك الطرف الآخر به وإتمام الزواج، وكأنه فخ، وبعد الزواج يتصرف الزوجين على طبيعتهم، ويرى كل منهم أن الطرف الآخر ليس هو من إختاره وحبه، وتبدأ المشكلات التي لا يروا حل لها، ومنهم من يختار أن يعيش هذه الحياة التي تخلو من السعادة، من أجل تربية الأبناء، أو يقول هذا نصيبي، أو لسبب الخوف من لقب "مُطلقة" أو "مُطلق" ويصعب عليهم الزواج بعد ذلك، أو الخوف من لوم المجتمع.. ولا أحد يسعى إلى أن يتغير من أجل حياة أسعد.
فيما جاء رأي الأستاذ مصطفى السيد مدير حسابات، "يطلب كل من الزوجين من الآخر أعمال يصعب تنفيذها، دون سعيهم لمعرفة مقدرة كل طرف عند الطلب مثل: تكليف الزوجة بخدمة أهل الزوج، وهي لديها بيت وأسرة، وأحياناً تكون عاملة ومسؤولة عن بيتها، وليس لديها القدرة للقيام بذلك. أو تكليف الزوج بأمور مدية يصعب على إمكانياته أن يقوم بها. أو أن أحد الزوجين يطلب من الآخر طلبات جنسية يصعب تنفيذها، فبدل من أن تكون علاقة حميمة في إطار شرعي تكون عقاب، وهذا ما يؤدي إلى الكثير من المشاكل. أو إجبار أحد الزوجين الآخر بقطع صلة الرحم مع أسرته. كما أن الأسلوب البذيء في التعامل يجرح ويؤدي إلى حدوث فجوة بين الأزواج".
على جانب آخر يُشير الدكتور حسام الجمل إستشاري نفسي إكلينيكي، إلى أن "الطلاق النفسي" مصطلح يُطلق على الزوجان اللذان يعيشان تحت سقف واحد غرباء لا يجمعهم سوى روتين الحياة الزوجية ومتطلباتها، ويصبح البيت مجرد سكن للإيواء، وليس السكن الذي ذكره الله تعالى في كتابه الكريم (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) الروم - ٢١. ويقتصر دور الأب في الإنفاق على البيت، ويتقلص دور الأم في رعاية الأسرة وتربية الأبناء، فكان من الأولى أن يظل كل منهم في بيت أسرته أو حتى مستقل دون الحاجة إلى البحث عن شريك حياة وتكوين أسرة.. ومن خلال السطور التالية سنعرض أهم الأسباب التي قد تسبب هذا النوع من الطلاق، والتي وردت إلينا من خلال الدراسات الإجتماعية والحالات التي لجأت لنا للإرشاد الأسري:
١- سقف التوقعات:
ويُقصد هنا أن كلما كان سقف توقعات أحد الزوجان عالي، كلما زاد الخذلان، أي عندما يقوم أحد الطرفين بالتنازل عند كل خلاف يحدث بينهم، ويتمسك الطرف الآخر برأيه، يظن الطرف الذي يبادر بالتنازل أن عدم تنازل الطرف الآخر ليس حب أو تقدير للود الذي بينهم، وتحدث الفجوة.
٢- الإختلافات في المستوى الإقتصادي أو الإجتماعي أو الثقافي:
يظن الحبيب أن الحب قد يُذيب هذه الفروق، ولكن في أحيان كثيرة يزداد التصادم والمشكلات، ولا ينجح هذا الزواج في ظل تلك الفروق التي تظل عائق بين الطرفين.
٣- المشاكل الجنسية:
يخجل الزوجين في التعبير عن مشاعرهم، وفي المصارحة عن رغباتهم الجنسية وخاصة لدى الزوجة، بسبب مفاهيم خاطئة ناتجة من المجتمع في مناقشة تلك الأمور، حتى بين الزوجين، والمفترض أنها أمور شرعية، إلا أن الخجل يجعل منهم آلتان، فتصبح ممارسة العلاقة الزوجية روتين بلا رغبة.
وتُرشد الدراسات إلى أن أنجح الزيجات هي التي تقوم على تبادل الحديث بين الزوجان، يتناقشان ويتجادلان في معظم أمور الحياة، ويعبران عن أنفسهم، ليجدان الحلول، والأزواج الذين لا يتحدثون كثيراً تكون الحياة بينهم مثل البركان الذي لا نعلم متي سينفجر من كثرة الضغوط، كما تشير الدراسات إلى أن إعطاء وقت خاص للزوجين من حين لآخر للتنفيس حتى بأبسيط الأشياء، يستعيد كل منهم جو السكن والمودة وفهم إحتياجات كل منهم النفسية والمدية..